فصل: تفسير الآية رقم (60):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجواهر الحسان في تفسير القرآن المشهور بـ «تفسير الثعالبي»



.تفسير الآيات (49- 51):

{إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49) وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (51)}
وقوله سبحانه: {إِذْ يَقُولُ المنافقون والذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ...} الآية: قال المفسرون: إِن هؤلاء الموصوفين بالنِّفاق، إِنما هُمْ من أهْل عَسْكر الكُفَّار ممَّن كان الإِسلام دَاخِلَ قلوبهم، خَرَجُوا مع المُشْركين إِلَى بَدْرٍ، منهم مكرَهٌ وغيرُ مُكْرَهٍ، فلما أشرفوا على المسلمينَ، ورأَوْا قلَّتهم، ارتابوا، وقالُوا مشيرين إِلى المسلمين: غَرَّ هؤلاءِ دينُهُمْ.
قال * ع *: ولم يُذْكَرْ أحدٌ ممَّن شهد بدراً بنفاقٍ إِلا ما ظَهَرَ بعْدَ ذلك من مُعَتِّب ابن قُشَيْرٍ؛ فإِنه القائل يَوْمَ أحُدٍ: {لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمر شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هاهنا} [آل عمران: 154] وقد يحتمل أنْ يكون منافقو المدينة، لما وَصَلَهم خروجُ قريشٍ في قوَّة عظيمةٍ، قالوا هذه المقالةَ، ثم أخبر اللَّه سبحانه بأنَّ مَنْ توكَّل عليه، وفوَّض أمره إليه، فإِن عزَّته سبحانه وحِكْمته كفيلةٌ بنَصْره، وقوله سبحانه: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الذين كَفَرُواْ الملائكة يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وأدبارهم...} الآية هذه الآيةُ تتضمَّن التعجيبَ ممَّا حلَّ بالكُفَّار يوم بَدْر؛ قاله مجاهدٌ وغيره، وفي ذلك وعيدٌ لمن بَقِيَ منهم، وقوله: و{أدبارهم}، قال جُلُّ المفسِّرين: يريد أَسْتَاهَهْم، ولكنَّ اللَّه كريمٌ كَنَّى، وقال ابن عبَّاس، والحسن: أراد ظهورَهُمْ وما أَدْبَرَ منهم وباقي الآية بيِّن.

.تفسير الآيات (52- 54):

{كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ (54)}
وقوله سبحانه: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ والذين مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بآيات الله فَأَخَذَهُمُ الله بِذُنُوبِهِمْ...} الآية: الدَّأْبُ: العادةُ في كلام العربِ، وهو مأخوذٌ من دَأَبَ عَلَى العمل، إِذا لازمه.
وقوله سبحانه: {ذلك بِأَنَّ الله لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا على قَوْمٍ حتى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ...} الآية: معنى هذه الآية إِخبارٌ من اللَّه سبحانه، إِذا أنعم على قومٍ نعمةً، فإِنه بلُطْفه ورحمته لا يبدأُ بتغييرها وتنْكِيدها، حتى يجيءَ ذلك منْهم؛ بأنْ يغيِّروا حالهم الَّتي تُرَادُ، أو تَحْسُنُ منهم، فإِذا فعلوا ذلك، غيَّر اللَّه نعمته عنْدَهم بِنِقْمته منْهم، ومثالُ هذه نِعْمَةُ اللَّه عَلَى قُرَيْشٍ بنبيِّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم، فكَفَروا به، فغيَّر اللَّه تلك النعمة، بأنْ نقلها إِلى غيرهم من الأنصار، وأَحَلَّ بهم عقوبَتَهُ.
وقوله تعالى: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ والذين مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيات رَبِّهِمْ فأهلكناهم بِذُنُوبِهِمْ}، هذا التكريرُ هو لمعنًى ليس للأول؛ إذ الأول دَأْبٌ في أنْ هَلَكُوا لما كَفَرُوا، وهذا الثَّاني دأْبٌ في أَنَّهُ لم يغيِّرْ نعمتهم؛ حتَّى غيروا ما بأنْفُسِهِم، والإِشارة بقوله: {والذين مِن قَبْلِهِمْ}، إِلى قومِ شعيبٍ وصالحٍ وهودٍ ونوحٍ وغيرهِمِ.

.تفسير الآيات (55- 59):

{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (59)}
وقوله سبحانه: {إِنَّ شَرَّ الدواب عِندَ الله الذين كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ * الذين عاهدت مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ}، أجمع المتأوِّلون؛ أن الآية نزلَتْ في بني قُرَيْظَةَ، وهي بَعْدُ تَعُمُّ كلَّ مَنِ اتصف بهذه الصفة إِلى يوم القيامة، وقوله: {فِي كُلِّ مَرَّةٍ}: يقتضي أن الغَدْرَ قد تكرَّر منهم.
وحديثُ قُرَيْظَةَ هو أنهم عاهداوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم؛ على ألاَّ يحاربوه، ولا يعينوا عَلَيْه عدوًّا من غيرهم، فلمَّا اجتمعت الأحزاب على النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالمدينةِ، غَلَبَ على ظنِّ بني قريظة؛ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مغلوبٌ ومستأصَلٌ، وخَدَعَ حُيَيُّ بنُ أَخْطَبَ النَّضْرِيُّ كَعْبَ بْنَ أَسَدٍ القُرَظِيَّ صاحبَ عَقْد بني قريظة، وعهْدِهِم، فغدروا ووالوْا قريشاً، وأمدُّوهم بالسِّلاح والأَدْرَاعِ، فلما انجلت تلك الحالُ عن النبي صلى الله عليه وسلم، أمره اللَّه تعالَى بالخروج إِليهم وحَرْبِهم، فاستنزلوا، وضُرِبَتْ أعناقهم بحُكْم سَعْدٍ، واستيعاب قصَّتهم في السِّير وإِنما اقتضبت منها ما يخُصُّ تفسير الآية.
وقوله سبحانه: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الحرب...} معنى {تَثْقَفَنَّهُمْ} تأسرهم، وتحصِّلهم في ثِقَافِكَ، أو تَلْقَاهم بحالٍ تقدرُ عليهم فيها، وتغلبهم، ومعنى: {فَشَرِّدْ} أي: طَرِّدْ، وأبْعِدْ، وخَوِّف. والشريدُ: المبعد عن وطَنٍ ونحوه، ومعنى الآية: فإِن أَسَرْتَ هؤلاءِ الناقضين في حربك لهم، فافعل بهم من النقمة ما يكُونُ تشريداً لمن يأتي خلْفَهم في مثْلِ طريقتهم، وعبارةُ البخاريِّ: فَشَرَّدْ فَرَّقَ. انتهى.
والضمير في {لَعَلَّهُمْ} عائدٌ على الفرقة المشرَّدة، وقال ابن عباس: المعنى: نكِّل بهم مَنْ خلفهم.
وقالَتْ فرقة: معناه: سَمِّعْ بهم، والمعنَى متقاربٌ، ومعنى: {خَلْفَهُمْ} أي: بعدهم، و{يَذَّكَّرُونَ}، أيْ: يتعظون.
وقوله سبحانه: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً...} الآية: قال أكثر المفسِّرين: إِن الآية في بني قُرَيْظة، والذي يظهر من ألفاظ الآية أنَّ أَمْرَ بني قريظة قد انقضى عند قوله: {فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ}، ثم ابتدأ تبارَكَ وتعالَى في هذه الآية بما يَصْنَعُهُ في المستقبل، مع مَنْ يخافُ منه خيانةً إِلى آخر الدهر، وبَنُو قريظة لم يَكُونوا في حَدِّ مَنْ تُخَافُ خيانته، وقوله: {فانبذ إِلَيْهِمْ}، أي: أَلْقِ إِليهم عَهْدهم، وقوله: {على سَوَاءٍ}، قيل: معناه: حتى يكونَ الأمْرُ في بيانِهِ والْعِلْمِ به، على سواءٍ منْكَ ومنهم؛ فتكُونُونَ في استشعار الحَرْب سواءً، وذَكَرَ الفَرَّاء؛ أن المعنَى: فانبذ إليهم على اعتدال وسواءٍ من الأمر، أي: بَيِّنْ لهم على قَدْر ما ظهر منهم، لا تُفَرِّطْ، ولا تَفْجَأْ بحربٍ، بل افعل بهم مِثْلَ ما فعلوا بك، يعني: موازنةً ومقايسةً، وقرأ نافع وغيره: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ}- بالتاء- مخاطبةً للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، و{سَبَقُواْ}: معناه: فَاتُوا بأنفسهم وأنْجَوْهَا، {إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ} أي: لا يُفْلِتُونَ، ولا يُعْجِزُونَ طالبهم، ورُوِيَ أن الآية نزلَتْ فيمن أَفْلَتَ من الكفَّار في بَدْرٍ وغيره فالمعنى: لا تظنَّهم نَاجِينَ، بل هم مُدْرَكُون، وقرأ حمزة وغيره: {ولا يَحْسَبَنَّ}- بالياء مِنْ تَحْتُ، وبفتحِ السين.

.تفسير الآية رقم (60):

{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)}
وقوله سبحانه: {وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا استطعتم مِّن قُوَّةٍ} المخاطبةُ في هذه الآية لجميع المؤمنين، وفي صحيحِ مُسْلِمْ: «أَلاَ إِنَّ القُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلاَ إِنَّ القُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلا إِنَّ القُوَّةَ الرَّمْي» ولما كانت الخيلُ هي أصْل الحرب، وأَوزَارَهَا، والتي عُقِدَ الخيرُ في نواصيها، خَصَّها اللَّه تعالى بالذكْرِ، تشريفاً لها، ولما كانت السهامُ من أنجع ما يُتعاطَى في الحرب وأَنْكَاه في العدو وأَقْربه تناولاً للأرواح، خَصَّها صلى الله عليه وسلم بالذكْرِ والتنبيهِ عليها.
* ت *: وفي صحيح مسلم، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ تَعَلَّمَ الرَّمْيَ، وَتَرَكَهُ، فَلَيْسَ مِنَّا، أَو قَدْ عَصَى»، وفي سنن أبي داودَ، والترمذيِّ، والنسائيِّ، عن عُقْبة بن عامر، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ لَيُدْخلُ بالسَّهْم الوَاحِدِ ثَلاَثَةَ أَنُفُسٍ الجَنَّة؛ صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ في صَنْعَتِهِ الخَيْرَ، وَالرَّامِيَ بِهِ، وَمُنْبِلَهُ، فارموا واركبوا، وأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَن تَرْكَبُوا، كُلُّ شَيْءٍ يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ، بَاطِلٌ إِلاَّ رَمْيَهَ بَقْوسِهِ، وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ، وَمُلاَعَبَتَهُ امرأته» انتهى.
ورباطُ الخيل: مصدَرٌ مِنْ رَبَط، ولا يكثُرُ رَبْطُها إِلاَّ وهيَ كثيرةٌ، ويجوز أنْ يكون مصدراً من رَابَطَ، وإِذا رَبَطَ كلُّ واحد من المؤمنين فرساً لأجل صاحبه، فقد حَصَلَ بينهم رباطٌ، وذلك الذي حضَّ عليه في الآية، وقد قال عليه السلام: «مَنْ ارتبط فَرَساً فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَهُوَ كَالبَاسِطِ يَدَهُ بِالصَّدَقَةِ لاَ يَقْبِضُهَا»، والأحاديث في هذا المعنى كثيرةٌ.
* ت *: وقد ذكرنا بعْضَ ما وردَ في فَضْلِ الرباط في آخر آل عمران؛ قال صاحبُ التذكرة: وعن عثمانَ بْنِ عَفَّانَ، قالَ: سمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ رَابَطَ لَيْلَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ، كَانَتْ لَهُ كَأَلْفِ لَيْلَةٍ؛ صِيَامِهَا وَقِيَامِهِا»، وعن أبي بن كعب، قال: قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَربَاطُ يَوْمٍ في سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ وَرَاءِ عَوْرَة المُسْلِمينَ مُحْتَسِباً مِنْ غَيْرِ شَهْرِ رَمَضَان- أَعْظَمُ أَجْراً مِنْ عِبَادَةِ مِائَةِ سَنَةٍ؛ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا، وَرِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ وَرَاءِ عَوْرَةِ المُسْلِمينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَان- أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ وأَعْظَمُ أَجْراً- أَراهُ قَالَ: مِنْ عِبَادَةِ أَلْفِيْ سَنَةٍ؛ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا- فَإِنْ رَدَّهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِهِ سالِماً، لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ أَلْفَ سَنَةٍ، ويُكْتَبُ لَهُ مِنَ الحَسَنَاتِ، وَيَجْرِي لَهُ أَجْرُ الرِّبَاطِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ»، قال القرطبيُّ في تذكرته: فدلَّ هذا الحديثُ على أن رباط يومٍ في رمضانَ يحصِّل له هذا الثوابَ الدائمَ، وإِنْ لم يَمُتْ مرابطاً. خرَّج هذا الحديث، والذي قبله ابنُ مَاجَه. انتهى من التذكرة.
و{تُرْهِبُونَ}: معناه: تخوِّفون وتفزِّعون، والرهبة: الخَوْف: وقوله: {وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ}، فيه أقوال: قيل: هم المنافِقُونَ، وقيل: فَارس، وقيل: غير هذا.
قال * ع *: ويحسُنُ أن يقدَّر قوله: {لاَ تَعْلَمُونَهُمُ}، بمعنى: لا تَعْلَمُونهم فَازِعِينَ رَاهِبينَ.
وقال * ص *: لا تعلمُونَهُمْ بمعنى: لا تَعْرِفُونهم، فيتعدَّى لواحدٍ، ومَنْ عدَّاه إِلى اثنين، قدَّره: محاربين، واستُبْعِدَ؛ لعدم تقدُّم ذكره، فهو ممنوعٌ عند بعضهم، وعزيزٌ جدًّا عند بعضهم انتهى.

.تفسير الآيات (61- 63):

{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)}
وقوله سبحانه: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فاجنح لَهَا} جَنَحَ الرَّجُلُ إِلى الأمْرِ؛ إِذا مال إِليه، وعاد الضميرُ في {لها} مؤنَّثاً؛ إِذ السَّلْم بمعنى المسالمة والهُدْنَة، وذهب جماعةٌ من المفسِّرين إِلى أَن هذه الآية منسوخةٌ، والضمير في {جَنَحُوا} هو للذين نُبِذَ إِليهم على سواءٍ.
وقوله سبحانه: {وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ الله...} الآية: الضمير في قوله: {وإِن يريدوا} عائدٌ على الكفَّار الذين قال فيهم: {وَإِن جَنَحُواْ}، أي: {وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ}، بأنْ يُظْهِروا السَّلْم، ويُبْطِنُوا الغَدْر والخيانة، {فَإِنَّ حَسْبَكَ الله}، أي: كافيك ومعطيك نَصْرَه، و{أَيَّدَكَ}: معناه: قوَّاك {وبالمؤمنين}، يريد الأنصارَ، بذلك تظاهَرَتْ أقوالُ المفسَّرين.
وقوله: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ...} الآية: إشارةٌ إِلى العدواة التي كانَتْ بين الأوْسِ والخَزْرَجِ.
قال * ع *: ولو ذَهَبَ ذاهبٌ إِلى عمومِ المؤمنين في المهاجرين والأنصارِ، وجعل التأليف ما كَانَ بيْنَ جميعهم من التحابِّ، لساغ ذلك، وقال ابنُ مَسْعُود: نزلَتْ هذه الآية في المتحابِّين في اللَّه.
وقال مجاهد: إِذا تَرَاءَى المتحابَّانِ في اللَّه، وتصَافَحَا، تَحَاتَّتْ خطاياهما، فقال له عَبْدَةُ بنُ أبي لُبَابَةَ: إِن هذا لَيَسِيرٌ، فقال له: لا تَقُلْ ذلك، فإِن اللَّه تعالَى يَقُولُ: {لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأرض جَمِيعاً مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ}، قال عَبْدَةُ: فعرفْتُ أنه أفْقَهُ مني.
قال * ع *: وهذا كلُّه تمثيلٌ حَسَنٌ بالآية، لا أنَّ الآية نزلَتْ في ذلك، وقد رَوَى سهْلُ بن سعد، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ: «المؤمن مَألَفَةٌ لاَ خَيْرَ فِيمَنْ لاَ يَأْلَفُ وَلاَ يُؤلَفُ». قال * ع *: والتشابه سَبَبُ الأُلْفَة، فمَنْ كان من أهْل الخَيْر، أَلِفَ أشباهَهُ وأَلِفُوهُ.
* ت *: وفي صحيح البخاريِّ: «الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فما تَعَارَفَ مِنْهَا ائتلف، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اختلف» انتهى، وروى مالكٌ في الموطإ، عن أبي هريرة قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وتَعَالَى يَقُولُ يَوْمَ القِيَامَةِ: أَيْنَ المُتَحَابُّونَ لَجَلاَلي؟ اليَوْمَ أُظِلُّهُمْ في ظِلِّي يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلِّي». قال أبو عمر بن عبد البَرِّ في التمهيد: ورُوينا عن ابنِ مسعود، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنه قال: «يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، أَتَدْرِي، أَيُّ عُرَى الإِيمَانِ أَوْثَقُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: الوِلاَيَةُ في اللَّهِ: الحُبُّ والبُغْضُ فِيهِ»، ورواه البراءُ بنُ عَازِبٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أيضاً، وعن عبد اللَّهِ في قوله تعالى: {لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأرض جَمِيعاً مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ولكن الله أَلَّفَ بَيْنَهُمْ}، قال: نزلَتْ في المتحابِّين في اللَّه قال أبو عمر: وأما قوله: الَيْومَ أُظلُّهُمْ فِي ظِلِّي، فإِنه أراد- واللَّه أعلم في ظلِّ عرشه، وقد يكونُ الظِّلُّ كنايةً عن الرحْمةِ؛ كما قال: {إِنَّ المتقين فِي ظلال وَعُيُونٍ} [المرسلات: 41]، يعني: بذلك مَا هُمْ فيه مِنَ الرحمة والنعيم. انتهى.

.تفسير الآيات (64- 66):

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65) الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66)}
وقوله سبحانه: {ياأيها النبي حَسْبُكَ الله وَمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين}، قال النَّقَّاش: نزلَتْ هذه الآية بالبَيْداء في غزوة بَدْر، وحُكِيَ عن ابنِ عبَّاس: أنها نزلَتْ في الأوس والخزرج.
وقيل: إِنها نزلَتْ حين أسلم عمر وكمَلَ المسلمون أَربَعِينَ. قاله ابن عمر، وأنس؛ فهي على هذا مكِّيَّة: و{حَسبك}؛ في كلام العرب، وشَرْعُكَ: بمعنى كافِيكَ ويَكْفِيك، والمحسب: الكافي، قالت فرقة: معنى الآية: يَكْفِيكَ اللَّهِ، ويكفيكَ مَنِ اتبعك، ف مَنْ في موضع رفع.
وقال الشَّعْبِيُّ وابن زَيْد: معنى الآية: حَسْبُكَ اللَّهُ وحَسْبُ مَنِ اتبعك من المؤمنين، ف مَنْ في موضع نَصْب عطفاً على موضع الكاف؛ لأن موضعها نَصْبٌ على المعنى ب يكفيك التي سدَّتْ {حَسْبُكَ} مسدَّها.
قال * ص *: ورد بأنَّ الكاف لَيْسَ موضعها نصْب لأن إضافة حسب إليها إضافة صحيحة انتهى.
وقوله سبحانه: {ياأيها النبي حَرِّضِ المؤمنين عَلَى القتال...} الآية: {حَرِّضِ المؤمنين}، أي: حُثَّهم وحُضَّهم، وقوله سبحانه: {إِن يَكُن مِّنكُمْ...} إلى آخر الآية، لفظُ خبرٍ، مضمَّنه وعدٌ بشرط؛ لأن قوله: {إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صابرون}، بمنزلة أنْ يقال: إِنْ يَصْبِرْ منكم عشرون يغلبوا، وفي ضمنه الأمر بالصَّبر، قال الفخر: وحَسُنَ هذا التكليفُ لما كان مسبوقاً بقوله: {حَسْبُكَ الله وَمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين}، فلمَّا وعد اللَّه المؤمنين بالكِفَايَة والنصرِ، كان هذا التكليفُ سَهْلاً؛ لأن مَنْ تكلَّف اللَّه بنصره، فإِن أَهْلَ العَالَمِ لاَ يَقْدِرُونَ عَلَى إيذَاءَتِهِ انتهى، وتظاهرت الرواياتُ عن ابن عبَّاس وغيره من الصحابة؛ بأنَّ ثبوت الواحدِ للعَشَرةِ، كان فرضاً على المؤمنين، ثم لمَّا شَقَّ ذلك عليهم، حَطَّ اللَّه الفَرْضَ إِلى ثبوتِ الواحِدِ للاثنَيْنِ، وهذا هو نَسْخُ الأَثْقَلِ بالأَخَفِّ، وقوله: {لاَّ يَفْقَهُونَ}: معناه: لا يفهمون مراشِدَهم، ولا مَقْصِدَ قتالهم، لا يريدون به إِلا الغلبةَ الدنيويَّة، فهم يخافُونَ المَوْت؛ إِذا صُبَر لهم، ومَنْ يقاتلْ؛ ليَغْلِبَ، أَو يُسْتشهد، فيصير إِلى الجنة، أثبَتُ قدماً لا محالة.
وقوله: {والله مَعَ الصابرين}: لفظُ خبرٍ في ضمنه وعْدٌ وحضٌّ على الصبر، ويُلْحَظُ منه وعيدٌ لمن لم يَصْبِرْ؛ بأنه يُغْلَبُ.

.تفسير الآيات (67- 69):

{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69)}
وقوله سبحانه: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أسرى...} الآية: قال * ع *: هذه آية تتضمَّن عندي معاتَبةً مِنَ اللَّه عزَّ وجلَّ لأصحاب نبيِّه عليه السلام والمعنى: ما كان ينبغي لكُمْ أَنْ تفعلوا هذا الفعْلَ الذي أوْجَبَ أن يكون للنبيِّ أَسْرَى قبل الإِثخان؛ ولذلك استمرَّ الخطابُ لهم ب {تُرِيدُونَ} والنبيُّ صلى الله عليه وسلم لم يأمر باستبقاء الرِّجَالِ وقْتَ الحَرْبِ، ولا أراد صلى الله عليه وسلم قَطُّ عَرَضَ الدنيا، وإِنما فعله جمهورُ مُبَاشِرِي الحَرْبِ، وجاء ذكْرُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الآية؛ مشيراً إِلى دخوله عليه السلام في العَتْبِ؛ حين لم يَنْهَ عن ذلك حين رآه من العَرِيشِ، وأنْكَره سعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، ولكَنَّه صلى الله عليه وسلم شَغَلَهُ بَغْتُ الأمر، وظهورُ النصر؛ عن النهْي ومَرَّ كثيرٌ من المفسِّرين؛ على أنَّ هذا التوبيخَ إنما كان بسبب إشارة مَنْ أشار على النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ بأخذ الفدْيَةِ، حين استشارهم في شأن الأَسرَى، والتأويل الأول أَحْسَنُ، والإِثخانُ: هو المبالغةُ في القَتْل والجراحةِ، ثم أمر مخاطبة أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدنيا}، أي: مالها الذي يعز وَيَعْرِضُ، والمراد: ما أُخِذَ من الأسرى من الأموال، {والله يُرِيدُ الأخرة}، أيْ: عمل الآخرة، وذكَر الطبريُّ وغيره؛ أن رسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلنَّاس: «إِنْ شِئْتُمْ، أَخَذْتُمْ فِدَاءَ الأسرى، وَيُقْتَلُ مِنْكُمْ في الحَرْبِ سَبْعُونَ على عَدَدِهِمْ، وإِنْ شِئْتُمْ، قُتِلُوا وَسَلِمْتُمْ، فَقَالُوا: نَأْخُذُ المَالَ، وَيُسْتَشْهَدُ مِنَّا»، وذكر عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ بسنده؛ أَنَّ جبريلَ نَزَلَ عَلَى النبيِّ صلى الله عليه وسلم بتخْيِيرِ النَّاسِ هكذا؛ وعَلَى هذا، فالأمر في هذا التخيير مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فإِنه إِعلامٌ بغيب، وإِذا خُيِّروا رضي اللَّه عنهم، فكيف يقع التوبيخُ بعدُ بقوله تعالى: {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}؛ فهذا يدُّلك على صحَّة ما قدَّمناه، أنَّ العتب لهم إِنما هو على استبقاءِ الرجالِ وقْتَ الهزيمةِ؛ رغبةً في أخْذ المال، وهو الذي أقولُ به، وذكر المفسِّرون أيضاً في هذه الآيات تحليلَ المَغَانِمِ، ولا أَقولُ ذلك؛ لأن تحليل المغانم قد تقدَّم قبْل بَدْرٍ في السَّرِيَّة التي قُتِلَ فيها ابْنُ الحَضْرَمِيِّ، وإِنما المُبْتَدَعُ في بَدْرٍ استبقاء الرِّجَال؛ لأجل المال، والذي مَنَّ اللَّه به فيها: إِلحاق فدية الكافر بالمغانمِ التي تقدَّم تحليلها، وقوله سبحانه: {لَّوْلاَ كتاب مِّنَ الله سَبَقَ...} الآية:، قال ابن عبَّاس، وأبو هريرة، والحَسَن، وغيرهم: الكِتَابُ: هو ما كان اللَّه قَضَاهُ في الأَزَلِ مِنْ إِحلالِ الغنائمِ والفداءِ لهذه الأمة، وقال مجاهد وغيره: الكتابُ السابق: مغفرةُ اللَّهِ لأهْلِ بدر، وقيل: الكتاب السابقُ: هو ألاَّ يعذب اللَّه أحداً بذَنْبٍ إِلا بعد النَّهْيِ عنه، حكاه الطبريُّ.
قال ابنُ العربيِّ في أحكام القُرآن: وهذه الأقوالُ كلُّها صحيحةٌ ممكنَةٌ، لكن أقواها ما سبق مِنْ إِحلال الغنيمة، وقد كانوا غَنِمُوا أوَّلَ غنيمةٍ في الإِسلام حينَ أرسل النبيُّ صلى الله عليه وسلم عَبْدَ اللَّه بْنَ جَحْش. انتهى، ورُوِيَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ نَزَلَ في هَذَا الأَمْرِ عَذَابٌ، لَنَجَا مِنْهُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّاب»، وفي حديث آخر: «وسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ»؛ وذلك أن رأيهما كان أنْ تُقْتَلَ الأَسْرَى، وقوله سبحانه: {فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ...} الآية: نصٌّ عَلَى إِباحة المال الذي أُخِذَ من الأسْرَى، وإِلحاقٌ له بالغنيمة التي كان تقدَّم تحليها.